تقارير

           "عرب ابو فردة" و"عرب الرماضين" ترزحان تحت وطأة الاستيطان -
                                       تقرير: عبد القادر سلمي


هنا على أراضي قريتي "عرب ابو فردة" و"عرب الرماضين" الواقعتين الى الجنوب الشرقي من مدينة قلقيلية في كل يوم ومع اشراقة كل صباح تتزايد الانتهاكات الاستيطانية الاسرائيلية بحق الارض والبشر والشجر بهدف توسيع المستوطنات الاسرائيلية المحيطة بهما، مما يؤدي لتضييق الخناق على السكان، فبدل ان يخيم على القريتين الهدوء والراحة، خيم عليهما شبح الذل والمعاناة بفعل الجدار العنصري الذي عزلهما منذ عام 2004م، لتفقد القريتين أبسط مقومات الحياة.
يقول حسن شعور رئيس لجنة أدارة المشاريع في عرب الرماضين " في الوقت الحالي فان التجمعين يعيشان ظروفا مأساوية جدا لا يتحملها البشر ، ومنها وجود جدار الفصل الذي أقيم قبل أكثر من تسع سنوات ، ويحيط هذا الجدار بالتجمعين من جميع الجهات ، حيث لا يوجد مدخل للتواصل مع المدينة والقرى في المحافظة إلا من خلال بوابات عسكرية يسمح بالمرور من خلالها بتصاريح خاصة للمواطنين"، ويشير الشعور إلى أن الاجراءات التسعفية الاسرائيلية سببت العزلة واستحالة العيش في المنطقة ، موضحاً أن الوصول إلى القرى المجاورة كان يستغرق خمس دقائق مشيا على الأقدام قبل بناء الجدار ،لكن في الوقت الحالي يستغرق الوصول إلى المدينة والقرى المجاورة ساعتين أو أكثر ، نظراً لوجود تفتيش وانتظار طويل قبل المرور، ويلفت الشعور إلى استفزازات الجنود وطريقة تفتيشهم المعينة للمواطنين يومياً.
القريتين تخضعان لحصار مستمر وذلٌ واهانة على البوابات بل تتحكم سلطات الاحتلال الاسرائيلي في دخول لقمة العيش الى القريتين عدا عن ذلك التفتيش الدقيق لأغراضهم وموادهم على الحاجز وكأنهم يقطنون داخل قاعدة عسكرية، وفي هذا الصدد يضيف حسن شعور : ان القريتين كباقي القرى يحتاج سكانها الى غذائهم ومتطلباتهم اليومية لكن يعانون من ادخال ما يحتاجون من غذاء ومستلزمات بسبب وقوعهم خلف الجدار حيث يتطلب التنسيق المسبق والموافقة قبل يوم واحد مع الادارة المدنية ناهيك عن تحديد كمية المواد المدخلة ونوعيتها وخضوع المواد الغذائية لفحص وتفتيش دقيق ويتم ارجاع بعضها كالبيض واللحوم على البوابة العسكرية تحت حجج امنية واهية ويشير الشعور إلى أن القريتين تتبعات الضفة الغربية، لكن دولة الاحتلال تعتبرهما خاضعتين للقانون الاسرائيلي، وهذا ينفي ادعاءات الاحتلال بأن الجدار أقيم لدواع أمنية.
الاحتلال منع اهالي القريتين من البناء والتوسع بشكل مطلق مما دفع السكان الي بناء بيوتهم من الصفيح الذي لا يقي حر الصيف ولا برد الشتاء وكأنهم ليسوا من البشر واشار حسن الشعور في كل مستوطنة اسرائيلية تجد فيها كل يحتاجه المواطن العادي لكن القريتين تعانق درب المعاناة بسبب الخناق المستمر الذي تفرضه دولة الاحتلال اذ تفتقر الى البنية التحتية والمرافق العامة والخدمات الصحية والطرق المعبدة على الرغم من ذلك تجاوز عدد سكان القريتين 500نسمة.
حتى الحق الطبيعي في التعليم لأطفال القريتين عذبهم الاحتلال واهانهم في الحصول عليه ويضيف الشعور ان ذهاب الطلاب الى مدارسهم يشبه الذهاب للجهاد في سبيل الله فيروي الصعوبات التي تواجه طلاب القريتين أثناء ذهابهم الى المدارس " طلاب المدارس يذوقون الموت في الصباح والمساء لان المدرسة التي يدرسون بها في بلدة حبلة، لقد كانت قريبة جدا قبل الجدار بحيث كان الوصول إليها يستغرق اقل من عشر دقائق مشيا على الأقدام، لكن الجدار فصل بين المدرسة والقرية وأصبحت المسافة بعد الجدار تستغرق في بعض الأحيان أكثر من ساعة بالحافلات وان اغلب الأوقات يقوم الطلاب بالانتظار على البوابات في الذهاب والعودة لساعات طويلة ، حتى يتم فتح البوابات التي تفتح ثلاث مرات في اليوم ولمدة ساعة في كل مرة " هم بذلك يذوقون العذاب وكأنه قدر حتمي لهم، ليس لشيء وإنما لغرس الخنوع فيهم، رحلة إلى المدرسة يذوقون فيها حر الصيف وزمهرير الشتاء ".
في الوقت الذي يشيد فيه المغتصبون مبانٍ تحتكم لجميع مقومات الحياة ويصادر ما تبقى من الارض تتكرر معاناة قريتي عرب ابو فردة وعرب الرماضين كل يوم مع شروق الشمس وغروبها ومع هدوء العاصفة وهبوبها لتبقى هاتين القريتين تحت ذل واهانة الاحتلال لكنهم لا يهابوا مظاهر العنف والترهيب ليقولوا لاحتلال هنا باقون هنا صامدون.




زكريا الأقرع والطريق إلى غزة ! بقلم:عبد القادر عقل


قبل عدةِ شهورٍ كان زكريا كأي شاب فلسطيني يعيشه حياته، نسائم الأحلام والطموحات تهب داخله، فهو كغيره لم يخرج من أحشاء والدته ممتشقا لبندقية، تارة بين أصدقائه وتارة أخرى في زيارات للمدن الفلسطينية المحتلة، وتارة بين أحضان أهله في كنف عائلته، لكن منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة الشهر الماضي، لم يعد زكريا كغيره، فهو أصر أن يكون "زكريا الإنسان" قبل أن يكون "زكريا الشهيد" !.
بُعد المسافات الجُغرافية بين غزة والضفة وكل تلك الحدود البائسة التي نراها، كانت بمثابة خارطة وطنٍ واحدة في كيان زكريا، نحن بكينا مثله، تأثرنا ! شهقنا ! دعونا، كلما ألقى لنا التلفاز إلينا بمشاهد مجازر غزة وشهدائها الذين حاز الأطفال منهم على 30% من إجمالي عدد الشهداء، لكن زكريا لم يكتف بالشهيق والبكاء والتأثر، بل إرتأى لنفسه طريقته الخاصة، طريقة خاله يعقوب أو "راسم" وغيره من الشهداء الراحلين، الذين إنطلقوا إلى السماء يسابقون الريح على ظهور جيادهم الأصيلة.
بصحبة الليل المُدلهم، ترجل وبدأ،، طلقة.. إثنتان.. ثلاثة.. وربما أكثر، نحن لا نعلم تحديدا كم عددها، تلك التي أطلقها زكريا في معمعة الحرب على غزة، فجندل فيها جنديا إسرائيليا بجراح خطيرة قبل أسابيع من مطاردته قرب بلدته قبلان جنوب شرق نابلس، وذلك حسب إتهام الإحتلال له بالوقوف خلف العملية.
زكريا أوصل رسالته بعد مجازر غزّة وشقّت رسالة رصاصه طريقها إلى غزة، أيضا الإحتلال لم يكن رده طويلا فأوصل رسالته عبر إقتحام منزله، ليصبح زكريا مطلوبا، وتلاحقه القوات الاسرائيلية بشكل شبه يومي في بلدته قبلان، وطائرات الاستطلاع تجوب الأجواء، وزكريا لا يأبه، تعرض لمحاولتي إغتيال وإعتقال حسب ما أفاد به عبر صفحته الشخصية في موقع التواصل الإجتماعي، حيث قال عندما فشلت المحاولة الثانية : "محاولة الاغتيال او الاعتقال قد بائت بالفشل، والحمد لله" ووصف حالته بأنه "يشعر بالتحدي".
زكريا فعلاً كان يشعر بالتحدي، فلو لم يكن كذلك لإنسحب من محاولة الإغتيال الثالثة قبل عدة أيام وكان بمقدوره فعل ذلك، لكنه خط لنفسه ولأهله وصيته المكتوبة، وودع من إستطاع وداعه، وترك للبقية أزيز رصاصه الذي أرسل رسالة الوداع والتحدي الذي كان يشعر به، أرسلها لمدة تزيد عن خمسة ساعات متواصلة.
شهود عيان من بلدة قبلان أكدّوا أن الشهيد كان مُقبلا على الإشتباك المسلح، رغم أنه كان بإستطاعته الإفلات من الحصار في بداية الأمر، لكنه يبدو أنه كان عاقداً النية وكاتبا الوصية، وساحبا أقسام السلاح، وعازما على ملاقاة خاله الذي سبقه بجوار رب السماء.
فقبل نحو 30 عاماً إرتقى خال زكريا الشهيد يعقوب سمور شهيدا، ويعقوب أو "راسم" كما يطلق عليه مقاتلو الثورة الفلسطينية، قائد من قائد معركة قلعة شقيف في لبنان، والتي مني فيها جيش الإحتلال آنذاك بخسائر فادحة، ويقول مقاتلون سابقون ومنهم د. شاهر عفونة أن الشهيد يعقوب "راسم" إستطاع صد خمسة هجومات إسرائيلية عن القلعة عام 1982م.
لم تكن شقيقة "راسم" أو يعقوب قد حملت بزكريا بعد، فقد ولد بعد إستشهاد خاله بـ 8 سنوات، لكن كما هو متعارف عليه في المثل الشعبي: "ثلثين الولد لخاله"، فما بالكم بمن يكون خاله يعقوب سمور "راسم" ؟!، بكل تأكيد لن يترك غزة وحيدة، وصرخات الثكالى والأبرياء ستدق في وجدانه ناقوس الإنسانية الغائبة عن العالم السافل أجمع.

1 التعليقات: